في العام 1982 عمت الوطن الفلسطيني الكثير من مظاهر الأنتفاض على المحتل الأسرائيلي, وقد كانت تلك الأحداث بمبادرات مباشرة من قبل العديد من الفصائل الفلسطينية, والتي كانت تحاول في حينه الدفع باتجاه انتفاضة شعبية شاملة في الأرض المحتلة وتشارك فيها كل قطاعات الشعب الفلسطيني, وليس فقط القطاع الطلابي سواءا طلبة المدارس الثانوية او الجامعات, وبعض المخيمات.
على الرغم من ذلك لم تتحول تلك الحركات الجزئية الى انتفاضة شاملة, وبقيت الى حد ما محصورة في الجامعات الفلسطينية وبعض مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة, وبقيت جزئية حتى في تلك المواقع.
راوحت تلك الهبات الجماهيرة ما بين غفوة وصحوة حتى شهر آذار 1987 عندما بدأ اضراب الأسرى التاريخي في حينه, وا عطاها زخما ولكن في بعض المواقع فقط بحيث ان البدء الفعلي للأعتقالات الأدارية عام 1987 ( سجن جنيد 52 سجين ,كانوا بمعظمهم من المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية, خاصة الدهيشة بلاطة والجلزون) جاء ذلك مترافقا مع اضراب الأسرى, ومع ذلك بقيت الحركة الفلسطينية في اطار الهبات حتى تفجر الغضب الفلسطيني في ايلول 1987 معلنا الأنتفاضة الفلسطينية الشعبية التي كانت المعلم النضالي الأبرز منذ احتلال عام 1967.
أما الأنتفاضة الثانية في نهاية العام 2000 فهي ذات طبيعة ونمط مختلف ولم تكن نتاجا لتراكم هبات شعبية, وحتى حين تفجرت على اثر دخول شارون الى ساحات المسجد الأقصى, ايلول عام 2000, فلم تكن الحالة الشعبية الأنتفاضية مشابهة لما كانت عليه الأوضاع في ايلول عام1987, حيث علت رصاصات البنادق اكثر مما علت حجارة وصرخات الجماهير.
على ضوء الحالة التي خلقتها اتفاقيات اوسلو واعلان المبادئ عام 1994, اختلف الفلسطينيون في نظرتهم لهذا ألأتفاق, ففي الوقت الذي اعتبرته بعض الفصائل وعلى راسها حركة فتح بانها تؤسس لقيام الدولة الفلسطينية, اعتبرته بعض الفصائل الأخرى وعلى رأسها حركة حماس بأنه يمثل مؤامرة اتجاه الشعب الفلسطيني وقضيته. امام هذه الحالة الأنقسامية في الموقف السياسي, وجدت الفصائل الفلسطينية نفسها منقسمة في كيفية التعاطي مع الأنتفاضة الثانية ( خاصة خلال الأشهر الأولى من تفجرها).
ان تردد حركة حماس ومعها الجهاد الأسلامي والى حدا ما الجبهة الشعبية في دعم الأنتفاضة الفسطينية الثانية خلال الأشهر الأولى كان نتاجا لحالة الصراع وألاختلاف مع السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح , فحركة حماس وعلى امتداد ألأعوام التي تلت اتفاقية اوسلو استخدمت وسائل النضال العنيفة, وغير مبالية باعطاء فرصة لأبي عمار في حينه مما ادى الى قيام السلطة بحملة اعتقالات طالت العديدين من قيادات ونشطاء حركة حماس. مع ذلك وجدت حركة حماس وكذلك الجهاد الأسلامي ان الفرصة قد تكون مؤاتية لهم لانهاء اتفاقية اوسلو, بينما كان الهدف امام ابو عمار هو تحقيق ما تمناه من اتفاق اوسلو, خاصة عندما اصطدم مع الأسرائيلين وألأمريكين في مفاوضات كامب ديفد, تموز عام 2000. والتي لم تقدم لهم الحد الأدني من الطموح السياسي الذي توقعه الفلسطينيين من اتفاقية اوسلو.
تنازعت على الأنتفاضة الثانية اجندات مختلفة, ليس فقط مابين الأحزاب السياسية ككتل سياسية متباينة, ولكن ايضا في نفس الحزب السياسي الواحد, واختلف الكثير من المثقفين الفلسطينيين في النظر اليها, فبينما اعتبرها البعض تأسيسا يمكن البناء عليه على طريق تحقيق الدولة, اعتبرها البعض الآخر انها مثلت معول هدم خاصة انها انتهجت شكلا عنيفا بعكس السمة الأساسية التي اتسمت بها الأنتفاضة الأولى وانها انتفاضة شعبية ولم يكن العنف هو الأداة الأساسية لها, وبالتالي لاقت قبولا وتعاطفا دوليا, واحراجا حقيقيا للأحتلال الأسرائيلي على المستوى الدولى.
انتهت الأنتفاضة الثانية – على الرغم انه ليس من السهولة بمكان تحديد التاريخ الدقيق لانتهاء هذه الأنتفاضة لسبب بسيط وهو وجود اختلاف على الوسائل والأحداث وألأفعال التي تسمها كانتفاضة, لكن يمكن اعتبار ان التوافق الفلسطيني على اجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 هو التاريخ الفاصل ما بين الأنتفاضة الثانية و ما بعدها.
مقدمات انتفاضة جديدة
لم يكتفي الجانب الأسرائيلي بعرض الفتات على الفسطينين خلال المفاوضات التي امتدت منذ اوسلو حتى الآن, وانما عبر عن ذلك بالعديد من الخطوات العملية التى تتعارض بالكامل مع مع كل قرارات ألأمم المتحدة, بل حتى تتعارض مع المبادرات الجزئية التي طرحت عبر قوى مختلفة منها الرباعية الدولية, وبريطانيا و الولايات المتحدة, لانه اي الجانب الأسرائيلي يدرك عدم جدية تلك المبادرات وعدم وجود آليات تنفيذية لها, وكذلك حجم المصالح التي تربط اسرائيل بامريكا, وبالتالي لم تعطي اسرائيل اي اهتمام يذكر لها:
- ارتفاع اعداد المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية والقدس بحيث وصل عددهم اكثر من نصف مليون مستوطن ( عدد المستوطنين عند توقيع اتفاقية اوسلو كان 180 الف).
- ازدياد عنف المستوطنين اتجاه الفلسطينين( اكثر من 150 اعتداء على ألأقصى لوحده- عام 2011), ( تقرير للجيش الأسرائيلي يقول ب 96 حادث احتكاك من المستوطنين مع الفلسطينين عام 2011) بلغة أخرى حوادث اعتداء من المستوطنين.
- الأعتداء على الممتلكات الفلسطينية يزداد شراسة, ليس فقط من قبل المستوطنين, وانما من قبل المؤسسة الأحتلالية – ألأدراة المدنية- هدم وتجريف, وقلع اعمدة الكهرباء, وحرمان من خطوط المياه في الكثير من مناطق سي. بالمقابل اصبح المستوطنيين يتجرؤون على الوصول الى الكثير من القرى الفلسطينية ويمارسون الترهيب تحت نظر الأحتلال – بورين, عراق بورين- بيت فوريك – قرى يطا والأمثلة عديدة.
- جدار الفصل العنصري بكل ما قضمه وشتته من الأرض الفلسطينية.
- التقويض المستمر لدور السلطة الفلسطينية ومؤسساتها من خلال التعدي المتكرر على مناطق نفوذها, مداهمة مؤسسات واعتقالات, مما دفع رئيس الوزراء فياض ليقول عندما تمت مداهمة تلفزيون وطن بداية هذا العام "ان اسرائيل تريد تقويض ما تبقى من هيبة السلطة الوطنية الفلسطينية".
في ظل حالة التضييق الأسرائيلية وتصاعدها, وعلى ضوء عدم حدوث اية اختراقات في عملية السلام, بل حتى انعدام الأمل في ذلك, واصرار اسرائيلي على اذلال الفلسطينين, وفي مرحلة تتصف الأوضاع ألأقتصادية الفلسطينية على انها الأسوأ خلال العشرة سنوات الأخيرة, بحيث باتت تعكس نفسها على واقع الحياة اليومية للأسر الفلسطينة بحيث ان معدل الفقر يزداد يوما تلو الآخر, وتزداد اعداد الأسر الفلسطينية التي تعيش تحت خط الفقر, فان ما يجري من انشطة مقاومة ضد الأحتلال هو بلا شك نتيجة طبيعية.
بغض النظر عن الأختلاف ( الأختلاف المعلن) ما بين الكثير من القيادات الفلسطينية على مقدار ضرورة الأنتفاضة ام عدم ذلك, الا ان هذا ألأختلاف قد لا يسرع من امكانية حصول الأنتفاضة, ولكنه لن يمنع وقوعها حتى لو لم يتمنى الرئيس ابو مازن حصول انتفاضة ثالثة, فان واقع الحال يقول ان الفلسطينيين على اعتاب انتفاضة ثالثة, وان مؤشرات الأنتفاضة الجديدة قد اصبحت معالمها واضحة وهي لن تكون كما كانت الأنتفاضة الثانية, عنيفة ومن فوق الى تحت.
تتشابه السنوات الأربع الأخيرة الى حدا كبير مع السنوات التي سبقت الأنتفاضة الأولى, فالنشاطات الجماهيرية والشعبية والأحتجاجات تترواح ما بين شهر وآخر, ولكن السمة الأساسية لها انها تزداد وتتصاعد, وتتحصل على مؤيدين جدد محليا ودوليا , خاصة ان التوافق الفلسطيني على العمل الشعبي المقاوم و غير العنيف بات شبه سائد ومتفق عليه. فهل يكون أضراب الأسرى الحالي مقدمة لأنتفاضة ثالثة مثلما كان الحال في الأنتفاضة الأولى عام 1987؟.