خسارة قاسية جدا تلك التي مني بها المنتخب الوطني في واڤادوڤو أمام منتخب مالي، خاصة بالنظر إلى الطريقة التي ضاعت بها المباراة لأن المنتخب الوطني وعكس سيناريو آخر لقاء خارج الديار في غامبيا أين استدركـ تأخره بهدف وسجل ثنائية، لـم يتمكن هذه المرة من الحفاظ على هدف سليماني في (د6) وتلقى ثنائية...
الأمر الذي يثبت أن الطريق إلى المونديال لا يزال بعيدا وشاقا خاصة في ظل السذاجة التي لعبت بها بعض العناصر خاصة المدافعين، بالمقابل يجب أن نعترف بأن هناك بوادر إيجابية لا يجب معها صبغ كل شيء بالأسود بمجرد خسارة يمكن أن تحصل أمام ثالث إفريقيا.
الحسرة الكبرى خسارة بهذه الطريقة بعد كل الذي فعلناه لنقل اللّقاء إلى خارج ماليالحسرة الكبرى لدى حليلوزيتش وروراوة واللاعبين في نهاية المقابلة لها ما يبررها، لأنه أن تخسر بتلك الطريقة وبكرتين ثابتتين في مباراة خارج الديار في وقت كنت فائزا فإن ذلك أمر مؤثر والأكثر من ذلك يتذكر الكل ما فعلناه لأجل نقل هذه المباراة إلى خارج مالي، حيث “ربحنا” عيب الماليين، وفي وقت سخّر رئيس الاتحادية وزنه وثقله لضمان حماية اللاعبين على ملعب محايد لكن هؤلاء لم يكونوا في المستوى خلال الـ 90 دقيقة إلى درجة أنه كان من الصعب إيجاد رجل المباراة فاخترنا مبولحي الذي أنقذ كرات عديدة.
المسؤولية يتحملها المهاجمون وحليلوزيتش لن يدخل ليسجّل مكانهمأكبر مسؤولية في هذه المباراة يتحملها اللاعبون رغم بعض الأخطاء التكتيكية وعلى مستوى الخيارات التي قام بها حليلوزيتش، فـ “النية” التي لعبوا بها خاصة في الشوط الأول لا يمكن للناخب الوطني أن يتحملها، فهذا الأخير لم يكن بوسعه أن يدخل ليسجل مكان اللاعبين، خاصة في لقطة سليماني الذي كان بإمكانه أن يقضي على المنتخب المالي ويسهّل المباراة لكنه لم يتمكن من ذلك، بالإضافة إلى فرص قادير وفغولي ومحاولات كهذه لا يمكن تضييعها إلا أن يكون سببا مباشرا في الخسارة، لأنه لو كانت حاضرة بهدف ثان من جهة “الخضر” لكان من الصعب جدا على المنتخب المالي الاستدراك.
المسؤولية الثانية للمدافعين وهدفان من كرتين ثابتتين يؤكدان السذاجةثاني المسؤولين هم المدافعون، فالفريق الذي لا يسجل يتلقى أهدافا وهذا أمر طبيعي، فتحمل المدافعون أخطاء المهاجمين ولكن الإشكالية أن الهدفين كانا عن طريق ركنيتين وبطريقة تافهة، فلو جاءا عن طريق كرة في سير اللعب لكان الأمر مختلفا خاصة أمام قوة الماليين فنيا، لكن الارتباك كان السبب في ظل غياب الرقابة والسذاجة في التعامل، وحتى في الكثير من أوقات اللّعب لم يكن يعط الخط الدفاع الانطباع أنه مصدر الأمان خاصة في المحور، والجهتان لاسيما اليسرى التي جعلت حليلوزيتش يسد وجود الثغرة ببوعزة، فكان الخط الخلفي الحلقة الأضعف في المباراة وإن كنا نعيدها أن المنتخب الذي يضيّع يتلقى أهدافا.
إلى غاية كأس إفريقيا 2013 لا بد من تغييرات جذرية في المحور الدفاعيويبقى محور “الخضر” بحاجة إلى مراجعة كبيرة في المستقبل القريب، لأنه بات من الواضح أنه عبء على المنتخب، حيث يمكن زعزعته بسهولة وحتى منتخبات صغيرة مثل النيجر، ورواندا يمكنها اختراقه، وإذا كان عنتر يحيى اعتزل بسبب الانتقادات التي وجهت له والمحور ككل إلا أن الأسماء تغيرت وبقيت الأخطاء نفسها فيما يبدو واضحا أن الإشكالية الكبيرة تبقى في غياب البديل، لأن المنتخب لا يملك خيارات كبيرة وانتظار نضج لاعبين مثل بلكالام وبن العمري قد يستغرق وقتا ولو أن المنتخب لن يلعب سوى 3 لقاءات قبل كأس إفريقيا 2013 وهي فترة للتصحيح وتعويض لاعبين بآخرين لبعث دماء جديدة في العروق.
اللياقة البدنية مسؤولية الطاقم الفني وبعض اللاعبين خسروا الصراعات بسبب الخوفالأمر الثالث الذي أسقط المنتخب بالضربة القاضية هو اللياقة البدنية التي خذلت اللاعبين حيث كان واضحا أن المخزون البدني استنفد خاصة في الدقائق الأخيرة من المباراة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام عما كان يفعله اللاعبون خلال التربص الذي انطلق منذ أكثر من شهر، وإن كان هناك خلل على مستوى التحضير العلمي، لأن الرطوبة ليست مبررا ولا الحرارة، في وقت كان هناك عامل آخر وهو الصراعات وإن كان لا يمكننا أن نلوم تفوق الماليين في قوتهم البدنية لأنه لا يمكن التنافس على بعض الكرات بالنسبة للاعبين بطول لحسن فإن بعض العناصر (ليس كلها) خسرت صراعات ثنائية نظرا لأنها تخاف مد أرجلها باتجاه بعض الكرات الثنائية خوفا من الإصابة، وهو الخوف الذي يجب ألا يحصل خاصة في إفريقيا وأثر في مردود بعض اللاعبين.
المباراة المقياس التي بحث عنها حليلوزيتش جعلتنا نكتشف أننا لازلنا بعيدينكان حليلوزيتش قد أكد أنه بحاجة إلى مباراة مقياس أمام منافس قوي لأجل اختبار المستوى الحقيقي للمنتخب الوطني فمن بين 6 منتخبات واجهها منذ قدومه التقى 5 منتخبات يتجاوز ترتيبها الـ 100، عدا منتخب تونس وفي أول فرصة أمام منتخب نتقدمه في ترتيب “الفيفا” وعلى أرض محايدة، جاءت الأمور بسيناريو غير منتظر تماما بخسارة محيرة، وهي المباراة التي أعادت اللاعبين إلى الأرض وهم الذين “تضخموا” كثيرا بعد النتائج الأخيرة وتأكدوا أنهم لا يزالون بعيدين تماما عن المستوى العالي والوصول إليه يتطلب عملا كبيرا وشاقا وإضافيا.
خسارة كهذه “تقيس” وقد توقظ اللاعبينبصرف النظر عما فعلته هذه الخسارة في معنويات “الخضر” الذين أحرقوا ورقة مهمة من أوراقهم (ورقة الجوكير كما سماها مصباح)، لأنه كان بإمكانهم إبعاد مالي بصفة شبه نهائية عن سباق اقتطاع تأشيرة المجموعة الثامنة فإن الخسارة تبقى مفيدة لأجل مواصلة العمل باجتهاد وبتواضع ومن جهة أخرى لاكتشاف الأخطاء الحقيقية ونقاط الضعف لا سيما الخد الدفاعي الذي يبقى بحاجة إلى مراجعة بدليل اهتزازه مرتين في ظرف 90 دقيقة وهو الذي لم يتلق سوى هدفين منذ قدوم حليلوزيتش، كما نتمنى أن تكون هذه هي الخسارة التي توقظ اللاعبين.
لو سجل ڤديورة صاروخيته أو سليماني انفراده لكنا نشكر الآن المدرب واللاعبينوحتى لا نكون سلبيين كثيرا، فإن المنتخب الوطني كان ضحية التوفيق العاثر، لأنه لو سجل سليماني فرصته الحقيقة وجها لوجه في الشوط الأول أو ڤديورة تسديدته الصاروخية التي أبعدها الحارس بصعوبة كبيرة وكذلك قادير وفغولي، لتغيرت كلية معطيات المباراة ولما تحدثنا عن الهجوم وضعف الدفاع وأخطاء حليلوزيتش، فكرة القدم هي هكذا تلعب على تفاصيل صغيرة كما يلعب فيها التوفيق دورا كبيرا في تحديد نتائج المباريات، فلو كان “الخضر” بـ (2-0) لتمكنوا من أداء مباراة جميلة وربما لسجلوا أهدافا أخرى، لكن المنعرج كان بتضييع فرص سهلة.
نتأسف على تضييع فرص كثيرة وليس على عدم وجودها أصلاالحقيقة التي يجب أن نقر بها هي أن المنتخب الوطني اكتسب صبغة هجومية في المباريات الأخيرة، ففي 7 مباريات مع حليلوزيتش سجل في كل اللقاءات حتى أمام مالي، ووقع “الخضر” 14 هدفا في هذه المباريات (بمعدل هدفين كل لقاء)، كما تتاح في كل مباراة فرص كثيرة وحقيقية للتهديف واليوم نتأسف لأننا ضيعناها ولا نتأسف لأننا لم نحقق فرصا للتهديف، والندم على غياب الفعالية وليس على عدم اقترابنا من مرمى المنافس، وبالقيام ببعض التعديلات الدفاعية واستمرار النجاعة الهجومية يمكن القول إن الأمور ستكون أحسن.
المنتخب في الطريق الصحيح إلى المونديال بشروطكما أن المنتخب الذي واجه مالي ورغم التغييرات الكبيرة التي أحدثت على مستواه إلا أنه يبقى في الطريق الصحيح، وفي انتظار رد الفعل الذي ستحدثه هذه الخسارة لم لا أمام غامبيا تبقى الأمور مبشرة مقارنة بما مضى والحصيلة ككل مقبولة، صحيح أن المنتخب عجز عن التأكيد في المباراة المقياس إلا أنه خسر على تفاصيل صغيرة ضيعت منه هذه المواجهة، لكن مشروع فريق مستقبلي في الطريق موجود، وبالعمل الجاد والمتواصل والتصحيحات الكثيرة بالإضافة إلى الهدوء المطلوب واكتساب اللاعبين مزيدا من الخبرة والنضج في أدغال إفريقيا سيكون كل شيء على ما يرام.